أكثرية
الأفراد
الذين يشاركوننا العيش في
جغرافية خصصت لممارسة طقوسنا الحياتية
، إذا ،
فلا من بهجة أو من حبور يصيبهما المرء ونوائب الدهر
مدراراً تهطل على رؤوس الآخرين وما من كرامة وعـزٍّ
فيهما الأمة ، بينما القوي المتنفذ يصيب خرقاً في
سفينة الحياة ، ولن نرقى البتة وما فتئنا نفضل العيش
في أطر ضيقة ننشد التفرد ومادمنا نقدس الأنانية ، وهل
من غرابة أشدُّ من تبججنا وتهويلنا وتعظيمنا لإنجازات
بذلنا لها من حناجرنا أكثر مما أراقته أبداننا من الدم
والعرق ؟!.
الــوطـن
،
لفظ ٌ
جميـلٌ
محببٌ
إلى قلوب
أولئك الذين تُسَورهم جدرانه ،
إن
همُ
في حضنه
تلفحهم
حرارة الحب أو هم طاحت بهم رياح
القهر
والظلم والحرمان
،
فألقت
بهم في مشارق الأرض ومغاربها
. الوطن ، تاريخٌ
عاشه
الإنسان وحاضر يدفعه لمعانقة الحياة وغد
يأمله
تيسيراً وتذليلاً لمسالك العيش . كلنا يتقاسم
ملكية
الوطن
دون
اعتبار لحسب أو نسب أو غنى
أوفقر
وبلا أي حسبان لطغيان فئة منا على أخرى
،
هو لنا أجمعين
،
أم
ٌّ رؤوم ، بالقسطاط تغمر أبناءها بالحب ، حضنٌ دافئ
يمد أفئدتنا بوهج المحبة
،
جذرٌ
يضخ الدماء في أوردتنا
،
فيجعلنا
مندفعين
غير هيابين ،
نصارعُ
ثالوثَ قهر ٍ وكبت ٍ وفاقة ٍ بالجراح أثقلنا.الوطن
ليس أهزوجة في تردادها لألسنتنا دون القلوب ، نهدف
لضخ المال في محيطات أرصدتنا ، و لا دمية ً نلهو بها
أو سلعة ً نتاجر بها أو رهاناً نأمل منه ربحاً وفيراً،
الصبية وحدهم من ينشدون اللهو ، والخاسرون فقط من
يتاجرون بالوطن ويزايدون عليه ، والضعة وقلة الشأن
والواهنة أنفسهم وحدهم من يدخل الوطن في ميدان
المقامرة .
كفى
بالمواطن ـ إن هو أراد الأنفة والعزة والإباء فامتشق
حسام العلم والجد والعمل ـ تأطيراً للوطن بهالة من
الرقي والحضارية ، وبغض النظر عن انتماءاتنا الفكرية
والدينية والعرقية ، فإنــّا على كاهلنا يبني الوطن
صروح المجد وينفض غبار الذل ، وهل من عزة تذكر أومن
سؤددٍ نبلغه أو من إنجاز نحققه ، إلا برايات علم
ٍوأكاليل غارٍ تشمخ فوق جبالنا وتلالنا وسهولنا
وروابينا وبساتيننا الغناء ! ؟ . اختلافنا في
التفكير صحّيٌ هُوَ أكثر من تحزبنا لإيديولوجية واحدة
تنبذ ُ وتحارب بل وتنفي كل الذين يخرجون عن الطوق
الذي أثقل رقاب البشر وأفئدتهم .لا ضير في اختلاف
أمزجتنا وخبايا أنفسنا وأنماط سلوكياتنا ولا في تصادم
آرائنا وأفكارنا ، إن كنا على هَـدْي ِ سراج ِ الوطن
نتلمسُ تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا ، فما أحيلى
بستاناً يمتلئ بضروب من الأزهار وهلْ أبهى منْ وطن ٍ
تجوبُ الأطيارـ بكل الألوان والأنواع والأحجام ـ
سماءَه عازفة ًعلى أوتار المحبة ؟ حينما ننقادُ في
حملات تشهير ٍ بالذين يسيئون للأرض والإنسان ، يبادرُ
أولئك إلى جمع الأسلحة وشحذِ القوى وفبركةِ التهم
ِووضع ِ هالة ٍ كبيرة ٍ قاتمة ٍ حولَ أسمائنا ، مشيرين
بالبنان إلى عدوانيتنا للأرض والإنسان ، ملوثين كل
نسمة نستنشقها ، مبددين كل جهد وكل قطرة دم نريقها
أملاً في وطن ٍ حرٍّ أبيٍّ ، ولا أنكى من أنهم ،
وباسم الوطنية يختلسون منا الحلم والبسمة والصفاء
ويبتدعون في مسالك عيشنا عقبات ننشغل في تذليلها بينما
هم على مائدة الوطن يسحقون الفضيلة ويلبسون العهر
والمجون أثواب العفاف . يظل أحدنا مهمشاً إلى ما شاء
الله ، غريباً يمشي على أرضه ، بين ذويه وأحبته
وخلانه ، لا من رفيق ٍ في رحلةِ عيش ٍ يتسارع الجميع
لاقتناص الغنائم ، لا من شيء ، خلا صلابة مراس ٍ وقوة
عزم ٍ وإرادة أبرمَ معها أحلافاً ومعاهدات دفاع .
الله والوطن والرمز من المسلمات التي يحظر على المرء
تناولها بالسوء كونها ـ ثلاثتها ـ تجعلنا ننعم
بالأمان والاستقرار ، فالله ـ كما قال الكاتب الروسي
فيودور دوستويفسكي ـ إن كان غير موجود ، فكلُّ شيء ٍ
مباحٌ من أصغرِ الذنوب إلى أبشع ِ الجرائم ، وأما
اقتناعنا بوجوده ، فإنه يبعدنا عن الطلاح ويجعلنا أكثر
سمواً بالنفس ، أشد محبة وتفانياً في مد يد العون
للآخرين ، أكثر رغبة في التجمل بخصال حميدة لم يفرضها
الخالق على البشر إلا كونه رؤوفاً بعباده ، ينشد لهم ـ
جلا جلاله ـ السكينة ورغد العيش في قطار الحياة السريع
.
الوطن
، هو الإنسان ذاته بجميع مكوناته الفكرية والعرقية
والفيزيولوجية ، فهل من سليم معافى يحارب مرابع طفولةٍ
أهدته ذكريات تظلُّ كامنة ً في سرائر نفسه إلى أن تأفل
شمسه ؟ أوَ يـُنـْكـِرُ أحدنا فضلَ جغرافية الوطن في
تجميل أحاسيسنا ومشاعرنا ؟ وهل مِنا مَنْ يرغب في قطع
شجرة أظلت بفيئها ولم تزل أجدادنا وآباءنا وأولادنا !؟
. لمْ يدخل ِ الوطنُ يوماً في نزاع ٍ أو سجال ٍ مع
أبناء لا يستبدلهم بكنوز الأرض وثرواتها ، فلا مـِنْ
خيار أمامَ الأسوياء مـِنْ أبنائه إلا تقديمُ الطاعة
والولاء ، إنْ هم أرادوا العيش بطمأنينة ، وأما مَنْ
تسولُ لهم أنفسهم نحرَ الأمن ِ والسلم ِ على مقصلة
تشريعات استوحتها عقولهم الواهنة ، فلا مِـنْ بـُدٍّ
في تلاحمنا أجمعين ، ننتزعُ الأشواك ، نقلمُ الأشجار،
نفرشُ السهول والوهاد بالأزاهير والرياحين ، وبيراع ِ
المحراث نخطط الأرض لتنفجرَ ينابيعُ العطاء ، وبالصوتِ
الهادر، ملءَ الحناجرِ ننشد " موطني .... موطني :
الجلال والجمال والبهاء والسناء .... "