إيه رفيقَ الدرب ...
لـَـتَذْكُـرُ ـ بالطبع ـ أواخر الستينيات من القرن
الماضي ، كيف كان أهل الحارة ، يسارعون لطلاء النوافذ
بالأصبغة الزرقاء ، وتذكرُ كيف توقف المذياع الصغير ـ
فجأة ـ عن ترفيهك ، مستبدلاً برامجه بأناشيد ، حفظتها
عن ظهر قلب " موطني..موطني .. بلادي بلادي .. لك حبي
وفؤادي " ؟ ، ومع أن هدير السابحات مع النجوم قد أرهبك
؛ فإن الأمر قد أثارك إلى حدِّ ما ، تخيلت نفسك طياراً
تدخل الرعب في قلوب الآخرين ، تمنيت حينها، أن تضمك
قائمة النازحين ، فتلتهم وبنهم ، معلبات وأجبان كالغيث
كانت تنهال على أقبية التجأوا إليها من منظمات إنسانية
لم تعرِفْ ماهيتها آنذاك .
إيه يا صاحبي
كذكاء شقت الدرب عبر الغيوم الداكنة ، لتقذفنا بحزم من
الدفء ، كالمحراث ـ لتنفجر ينابيع العشق والهيام ـ
يشق تلماً في الأرض الصلدة ، شددتَ الرحال إلى هناك ،
عــلـكَ تجد ما افتقدته هنا منذ بدء الخليقة ، هجرتَ
وطناً وأماً تجرعت غصص الوحشة ومرارة اللوعة ، لملمت
أذيال الخيبة ، قـفـلت إلى مرابع الطفولة ، خالي
الوفاض ، خلا من كرامة لم تزل تظلكَ بفيئها، ومن جديد
، انتابتك هواجس تدفعك للرحيل ، فلا من خيارٍ أمامكَ
أو منْ حيلة لديك سوى أن تبقى هنا أو أن تهاجر إلى
هناك.
وحدك
، تائه في عصر مصاب بأسوأ حالات التصدع والشلل ،
مطالَبٌ ، أن تتألم بأسارير منفرجة ، أن تضحك ملء
أشداقك ، أن تبحث عن سوسنة حب وأقحوانة أمل في صحراء
قاحلة ، في شتاءات تعصف الرياح بالبسيطة ، مثلما تعصف
الرهبة بالكاتب ، فتدفعه لانتقاء الكلمات التي تناسب
الأحاسيس المرهفة والأذواق الرفيعة ، مطالب أنت أيها
الإنسان ...؟؟؟ .