العيد قد أوجـِدَ لتبقى
الأفئدة نابضة بالحياة . في العيد نكتشف بهجة وغبطة
تلوح في الآفاق ، وربما هي فرصة نستعيد فيها ما أزحناه
من أنفسنا ـ طوعاً أو سهواً ـ من بذور الإخلاص
والتفاني والحميدة من الصفات التي تدعونا للتحلي بها
جميع الشرائع السماوية ويفرضها علينا واقع مؤلم ورياح
هوجاء تجهدُ للإطاحة بنا . هي المحبة ـ لا سواها ـ
أعظم مصادٍّ للرياح والأعاصير، فعلى عتباتها
تسـتـكـيـنُ كل عاصفة فـتـتـحـول إلى نسائم عليلة تنعش
القلوب والأبدان .
كـلـنـا يـتـوق ُعـيـشاً
خـضـيـبـاً بالأمـنٍ والازدهـار ، وكـلٌّ مـنـا يـلزمه
ساعة يخلو فيها إلى النفس في عـمـلـيـة جـرد ، فـي
نـهـايـتـهـا يـتـحـتـمُ عـلـيـه تـقـديـم بـعـض
الـتـنـازلات لأحـبـتـه وخـلانـه ، فـلا مـن إنـجاز
نحـقـقـه إن تـشـبَّـهـنـا بالسـنـبـلـةِ فارغة الحب ،
نشـمخ بـرؤوسـنا ونـتـبـجـج ونـتـفـاخـر عـلى
أقـرانـنـا بِسَـبَـقٍ أنـجـزناهُ في مـيـدان الـكـسـب
والـجاه ، فـالـمال لم يسبق لأحـدٍ أن اشترى به سعادة
ً مَـرْجوة ً وإلا لكان قـارون وسـواه مـن خـلـقِ الله
، مـنْ أسـعـد الـنـاس عـلى هـذه الـبـسـيـطـة .
لا مِـنْ أحدٍ مُـتـَّصـفٌ
بالكمالِ فـكـلـنـا غارقونَ في مسـتـنـقـعـات اقـتناص
الـمـلـذات . خـلودنا إلى الـنـفـس ، يُـشـعِـرنـا
بـمدى تـقـصـيـرنـا بحق أنـفـسـنـا وأهـلنـا والأقارب
، فهل يـكون الـعـيـدُ مـنـاسـبـة تـتـسـم بالـديمومة
في اسـتعـادة ما قد خــسـرناه مـن عـبـق الـحـب
وعـبـيـر الألفة ؟ .
الـثـبـاتُ عـلى الـغـبـاء
والـتعصب في الآراء والـنرجـسـيـة في الـقـول
والـعـمـل ، تـُضْرِمُ نـيـران الـتـشـرذمِ
والـفـرقــة ، ولـكـن ، أولـيـسَ من الـحـكـمة في أن
نسـتـبـدلـها بـتـصـالـح مـع الـنـفـس ومع الآخرين ،
بل وبـتـواضع وأثـرة ومـقـابـلـةٍ لـلإسـاءة
بـالإحـسـان ، لا مِنْ أحـدٍ الـبـتـة َ يـمـتـلـكُ
قـدرة إقـنـاعـنا في عـجـزهِ عـن ضـبـطِ جـموح الأنـفس
الأمارة بالسوء .
هـلمَّ يا إخوتي ، فـلـنجـربْ
ما أسلـفـتُ الـذكـرَ ، فـكـلـها مـجـتـمـعـة ٌ
تـبـعـدُ عـن حـيـاتـنـا غـمـامـات الـكـآبـة والـحـزن
مـمـنْ نـجـدهـا الـيـوم تـؤرقـنـا وتـقـضُّ مـن
مضاجـعـنـا فـتجعـلـنا نـسـتـسـلـم لـلألـم بـلا حول
ولا قـوة . فـلـيـكـنْ حـبـنـا لـبـعـضـنا الـبعـض ـ
في العيد وفي سواه من أيام السنة ـ أشـد وهـجـاً
وحـرارة .
كـل عـام وأنـتـم أشـد حـبـوراً وسـعـداً . مـبـاركــة
أيـامـكـم : أهـلـنـا في الـوطن ومـمن شـتـَّتَـتـْهمُ
رياحُ الـفُـرقـةِ فـي جـمـيـعِ أرجــاء الـمعـمـورة
.