نبي هوري

                          سيروس

تقع أطلال مدينة "نبي هوري" في أقصى الزاوية الشمالية الشرقية من منطقة عفرين. على مسافة 45كم، وبينها وبين بلدة بلبل نحو 10كم. وتبعد 2كم عن حدود تركيا في الشمال. يمر نهر صابون بجوار منحدرها الشرقي منها بنحو 1.5كم. يرفده نبع غرمكه غزير المياه، بعد عشرات الأمتار من تفجره.

أما أطلال مدينة نبي هوري القديمة، فتقع على السفحين الشمالي والشرقي لمرتفع جبلي أقيمت عليه قلعة نبي هوري. ويتحدد الموقع من الجنوب بهضاب قليلة الارتفاع مغطاة بأشجار الزيتون. ومن الشمال: تتراءى الطبيعة الجميلة للقرى السورية الواقعة خلف حدود تركيا. ومن الشرق نهر صابون ومن الغرب مرتفعات.

تعتبر منطقة نبي هوري من أماكن الاصطياف الجميلة في محافظة حلب، يرتادها مئات المصطافين أسبوعيا، كما تزورها المجموعات السياحية الأجنبية للتعرف على مدينة سيروس وآثارها الرائعة.

أما قلعتها، فلم يبق منها سوى أجزاء من سورها الكبير المضلع ذو الأبعاد 150×200م تقريبا، وبعض أساسات وغرف الأبراج في زوايا سور القلعة، وهي من النموذج المقنطر. يقابل موقع القلعة من الغرب قمة جبلية أخرى، عليها أطلال آثار لحصن تابع للقلعة الأم، ويقال إنه كان يصل بينهما نفق.

ولهذا الموقع الأثرى عدة تسميات. فهو يعرف حاليا بـ "نبي هوري"، وقلعة هوري، أو قلعة نبي هوري. أما الاسم اليوناني للمدينة فهو "سيروس"، كما سميت "آجيا بولس " أي مدينة القديسَين كوزما ودميانوس، وبنيت كنيسة حول قبريهما.

فقد دخلت سيروس المسيحية على يد "سمعان الغيور" الذي بنى فيها كنيسة، ومات ودفن فيها. أما المؤرخون العرب والمسلمون فقد كتبوا اسمها على شكل " قورش" وأحيانا "كورش" نظرا لاختلاف نطق الحرف اللاتيني "C" في الكتابة واللفظ العربيين. ولجميع هذه الأسماء صلة بتاريخ استيطان هذا الموقع وبناء المدينة، والأحداث التي وقعت حولها.

فللاسم "هوري" رواية دينية تقول: بأنه يعود إلى اسم " أوريا بن حنان" أحد قادة النبي داوود قتل في معركة جرت أحداثها في الألف الأول ق.م ودفن فيها، وأحداث قصة النبي داوود مع زوجة أوريا معروفة في الأدب الديني، /الدر المنتخب، ص 225/. فمن المعروف أن مناطق حلب خضعت لداوود لبعض الوقت في بداية الألف الأولى قبل الميلاد … إلى أن انتهى على يد البابليين في سياق التحالف البابلي الميدي وسقوط نينوى.

كما أن "هوري" اسم شعب جبلي قديم سكن جبال زاغروس وطوروس، وله تاريخ معروف في الشرق الأدنى، يغطي نصف الألف الثالثة، وكل الألف الثانية ق.م. وأسسوا الإمبراطورية الميتاهورية الكبيرة في أواسط الألف الثانية ق.م الميلاد، التي حكمت كامل القسم الشمالي من الشرق الأدنى القديم. ولاتزال في منطقة عفرين مواقع أخرى تحمل اسم هوري، مثل: كهوف وخرائب الهوريين قرب قرية جويق، وجبل "هاوار" القريب من اسم هوري.

أما حول الاسم سيروس فتقول بعض المصادر انه اللفظ اليوناني لاسم الملك الفارسي "كورش" وربما يعود وجود المدينة إلى أيامه. أما المعجم الجغرافي السوري، فيقول أنه من اسم مدينة سيرهوس في مكدونيا. وهناك رأي هام يقول: بأن هوري هو شكل محور من اسم الإله الزردشتي "أهورامزدا"، و"نبي" هو من الإله الرافدي "نبو"، فيكون الاسم كاملاً هو "الإله أهورامزدا".

وعن تاريخ بناء المدينة تقول المصادر: انه في الفترة السابقة لليونانيةن كانت هناك مدينة في نفس المكان، وأغلب الاعتقاد أنها كانت موجودة منذ الفترة الهورية. وعلى هذا يكون لاسمها الحالي جذور موغلة في التاريخ الهوري. أما المدينة الحديثة "سيروس" التي نرى أطلالها اليوم، فقد بناها القائد اليوناني "سلوقس نيكاتور" مؤسس الدولة اليونانية السلوقية في الشرق. 
- مدينة سيروس في الفترة اليونانية 312-64 ق.م

ينسب بناء المدينة، كما أسلفنا، إلى فترة حكم سلوقس نيكاتور 312-280ق.م. ونظرا لموقعها الهام، فقد تمركزت فيها، قوات عسكرية كبيرة، ولا يعرف إن كانت حينها تابعة لمدينة أخرى، أم مستقلة بذاتها. ولكنها ازدهرت بسرعة كبيرة، وسكت فيها النقود، كما كانت مركزا مهما لعبادة الإلهين أثينا "رمزها شجرة الزيتون" حامية بلاد اليونان، وزيوس "إله الصاعقة". ويعتقد أن معبد زيوس كان على قمة الجبل المجاور في موقع القلعة.

بعد انسلاخ آسيا الصغرى عن الدولة السلوقية "إثر معاهدة أفاميا عام 188 ق.م" أصبحت سيروس مدينة حدودية وفقدت أهميتها، وصارت مركزا لتجميع الجيوش، وتأمين الجنود الأشداء لملوك إنطاكية. وفي عام 83 ق.م، سيطر عليها ملك أرمينيا "تيكران" الكبير، فشملت الفوضى كل منطقتها، إلى أن استردها الرومان منه عام 69 ق.م.

- الفترة الرومانية

 

في عام 64 ق.م، أصبحت سوريا ولاية رومانية بعد دخول القائد الروماني "بومباي" إليها. وكانت سيروس في بداية العصر الروماني مسرحا لمعارك كبيرة بين الرومان والبارسيين "الفرس" الذين اجتاحوا سوريا في عام 40ق.م.

وفي بداية سيطرة الرومان على مناطق سوريا استخدم الرومان سيروس مركزا لقوة عسكرية كبيرة هي الفرقة العاشرة، وظلت كذلك في الثلثين الأولين من القرن الأول الميلادي. مع اتساع حدود الدولة الرومانية نحو الشرق، لم تعد سيروس منطقة حدودية، بل أصبحت مركزا لإحدى المناطق الإدارية الثلاث في سوريا، وعرفت بـ "سيروستيك" أو "قورستيكا" نسبة إلى عاصمتها مدينة سيروس، وكانت مدينة بيروا "حلب" تابعة لها.

ازدهرت منطقة سيروس ازدهارا رائعا في أيام الحكم الروماني، وخاصة في الفترة التي تسمى بالسلم الروماني، حتى أصبحت مفتاح منطقة الرافدين، وصلة الوصل بين إنطاكية و "مدينة نزب" في تركيا شرقي عنتاب، وسكت فيها النقود. ولكن بعد إنشاء الطريق الروماني السريع بين بيروا ومدينة منبج، تحول المركز الإداري لمقاطعة سيروستيكا إلى منبج، وأصبحت سيروس تابعة لها، إلا أن أهميتها التجارية استمرت، وظلت عقدة اتصال هامة في المنطقة طوال القرنين الثاني والثالث الميلاديين، تخرج منها ست طرق رئيسية إلى الأقاليم المجاورة.

بعد استلام الأسرة الساسانية عرش المملكة الپارسية سنة 227م، غزا الفرس سوريا مجددا واحتلوا سيروس وإنطاكية سنة 257م لفترة قصيرة، وسرعان ما استعادها الرومان. على الرغم من أحداث الحرب، وظروف الاحتلال، بقيت سيروس مدينة مزدهرة، ومركزا دينيا مسيحيا، وسياسيا مرموقا حتى نهاية العصر الروماني. فقد كانت كنيسة "ديونيسيوس" في عهد القيصر أناستاس ملجأً للهاربين من أداء التزاماتهم تجاه الدولة، دون أن يصابوا بأذى. /الدر المنتخب، ص62/.

- العصر البيزنطي

جرى الانفصال السياسي بين بيزنطة وروما عام 330م، وتشكلت على أثرها الدولة البيزنطية التي اعتنقت المسيحية. ويعود الفضل في معرفة معلومات غزيرة عن مدينة سيروس لهذه الفترة إلى كتاب "التاريخ الديني"، لأسقفها "تيودور أو تاودوره - رزق الله". فقد استلم اسقفيتها اعتبارا من عام 423م.

وذكر تاودوره في كتابه أن منطقة سيروس كانت جزءا من ولاية الفرات، ومنطقة كبيرة طولها 80كم، وعرضها 50كم. كما كانت أبرشية تضم 800 كنيسة، تحيط بها أربع ابرشيات، هي: إنطاكية وعنتاب ومنبج وحلب. وكانت منطقة سيروس تضم إداريا: منطقةعفرين، وشيخ خوروس، وميدانكي، وأعزاز، وكلز، وجبرين أعزاز، واكده "قد تكون قرية في ناحية كفرغان- اعزاز"، ونيارا، وشيخ ريح، والعاصمة سيروس. إضافة إلى العديد من القرى الأخرى العامرة، /الأب بولس، ص80/.

أما قلعة المدينة وسورها والعديد من الأبنية العامة، فقد بنيت في عهد الإمبراطور جوستينيان، وأصبحت مقرا لفرقة عسكرية كبيرة. وفي عهده، تعرضت المدينة إلى غارات الفرس، إلى أن انتهت تلك العمليات العسكرية بتوقيع معاهدة سلام بين الدولتين في عام 532م. إلا أن الفرس خرقوا تلك المعاهدة بعد عدة سنوات وهاجموا سوريا مجددا، واحتلوا حلب وإنطاكية، وهكذا استمرت حالة الحرب والسلم بين الفرس والبيزنطيين حوالي قرن من الزمن، تبادلوا خلالها السيطرة على هذه المناطق من شمالي سوريا، إلى أن طرد الإمبراطور البيزنطي "هرقل" الفرس منها نهائيا في عام 630م. ونتيجة لتلك الحروب تعرضت سيروس للخراب مرتين في أعوام 540 و 574م. فضعفت أهميتها التجارية، لكنها حافظت على أهميتها الدينية المرموقة، وسميت في القرن السادس الميلادي "آجيا بوليس" أي المدينة المقدسة أو مدينة القديسين.

 

- العهد الإسلامي

 

استسلمت مدينة سيروس للقائد الإسلامي عياض بن غنم عام 637 ميلادي على دفع الجزية. ونظرا لوقوعها على الحدود البيزنطية، فقد كانت لها أهمية عسكرية خاصة في أيام الأمويين والعباسيين. وقد أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك بنقل حجارة كنيسة سيروس -التي يقول عنها ابن الشحنة: إنها كانت من عجائب الدنيا- لاستعمالها في بناء الجامع الأموي الكبير بحلب، فدفع الإمبراطور البيزنطي 70 ألف دينار لقاء استرداد ثلاثة من أعمدتها، إلا أن الوليد رفض طلبه.

وفي عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، أصبحت سيروس تابعة إداريا لمنبج بحاميتها العسكرية الكبيرة، ومن العواصم السبع على الحدود البيزنطية. وفي سنة 1314م بنى والي حلب علاء الدين بن ألطونبغا الحاجب المملوكي التركي جامعا له بالميدان الأسود ونقل إليه أيضا أعمدة عظيمة من قورش، /الغزي ج3, ص143/.

في عام 905م، استعاد البيزنطيون السيطرة على سيروس، إلى أن استولى عليها الصليبيون وأطلقوا عليها اسم "كوريسي"، وجعلوها من الإقطاعيات التابعة لكونتيسة أُدِيسا "إمارة الرها الصليبية"، فلعبت سيروس دورا هاما في الربط بين إمارتي إنطاكية والرها في عهدهم.

وفي عام 1150م، " وبعد أسر القائد البيزنطي جوسلين صاحب الرها بيد مجموعة من سكان المنطقة" سيطر نورالدين زنكي على سيروس، وجميع القلاع والحصون الإفرنجية الواقعة في تلك الأنحاء مثل: أعزاز وراوندان، ثم أمر أخيرا بتدمير سيروس، والانسحاب منها عام 1157م خوفا من عودة سقوطها بيد الفرنجة. خاصة وأن زلزالا حدث في عام 1140م أضر بها كثيرا. ومنذ ذلك التاريخ هجرت المدينة تماما، وتحولت إلى أطلال، إلى أن قام مدير المعهد الفرنسي للآثار في بيروت السيد /هنري سرينغ/ عام 1952، بالتنقيب فيها لسبع مواسم متفرقة، وكشف النقاب عن المعالم الأساسية للمدينة وبعض أبنيتها الهامة، فلفت إليها انتباه الباحثين والمهتمين بالآثار والتاريخ.

 ومن أبرز المعالم الأثرية لمدينة سيروس، المسرح الرائع من العهد الروماني والذي يعتبر أجمل مدرج روماني، إذ يعود بناؤه إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وعلى مدرجاته مقاعد حجرية ضخمة مدون عليها أسماء أصحابها من ذوي المكانة المميزة. إضافة إلى الشارع الرئيسي للمدينة والحمامات والمدافن التي بنيت على غاية من الرقي والإبداع. وفيها قبر لقائد روماني على شكل برج مسدس الشكل يقع على الطرف الجنوبي الغربي للمدينة ولا يزال بكامل هيكله القديم.

المسرح الرائع من العهد الروماني

وفي الغرفة الصغيرة الموجودة تحت البرج، مقام يتبرك به السكان حاليا يعود بناؤه إلى 1303هجرية/1885م، كما بني في باحة المدفن مسجد مؤرخ في 1859م، يؤمه المصلون من القرى المجاورة في صلاة الجمعة والعيدين. وقد كان مركزا هاما لاجتماع أتباع الحركة المريدية في جبل في ثلاثينات القرن العشرين.

 
1- نبي هوري تسمية شعبية محلية.

2- تقول رواية دينية إن النبي " داوود "، أحب زوجة قائده أوريا، فأرسله إلى القتال في تلك الجهات، لكي يأخذ زوجته بعد مقتله . وهناك من يرى أن هذه رواية مغرضة، لأنها تناقض عصمة الأنبياء.

 

مصادر المعلومات التاريخية والأثرية: الدر المنتخب . عبد الله حجار، مجلة الفيصل . صبحي صواف ، تاريخ حلب . /بولس يتيم ، مقالات…/.

مخطوطة الدكتور : محمد علي

لقمان عفرين / lokman shamo kalo

2008/7/20

 

  HOME   l   SYRIA   l   AFRIN   l   CONTACT   l   LOKMAN AFRIN

BACK TO HOME PAGE