* عفرين .....

    تستبدلُ الخريفَ بربيعِ العلمِ والمعرفةِ *

 

 مِنْ جديد يُطلُ علينا فصلُ الخريف فتزْوَرَّ الطبيعة ُعنِ الاخضرار بعدَ صيفٍ ملتهبٍ تستصرخُ الإنسانَ فيه الأشجارُ قطفاً للثمار كيْ تخلدَ إلى قيلولةٍ تمتدُّ إلى أوائلِ الربيعِ ، لتعاودُ الكرَّةَ فتمضيَ في مسيرة الاخضرار والمنح والعطاء . خريفنا هذا العام ، يحملُ في ثناياهُ تباشيرَ فرح ٍ وقناديلَ ضياءٍ ، تُشِعُّ في الأنفس والقلوب ، فتزيدُها أملاً وتفاؤلاً وتشبثاً بالفرح ومعانقة للحياة . الخريفٌ فصلٌ .....  وإنْ يحرمنا منْ جمال الطبيعة الأخاذ ، الخريف .... وإن يُستدلُّ من لفظهِ على سن متقدم يبلغه المرء في مرحلة ما ، لكنه وفي منحى آخر، يخبئ في أعطافه ربيعاً باسماً متألقاً .

خريفُ عفرين ـ مثلما هو كل سنة ـ يخبئ ُ في جنباتهِ ضروباً من البهجة والمسرة ، فمنَ المحمودية إلى الأشرفيةِ ومن ضفة النهر شرقاً إلى طريق معراته غرباً ، من الزيديةِ شمالاً إلى حاراتها الجنوبيةِ ، من " باصوفان" و" قسطل جندو " و " طرنده "  و" إيكي آخور"  و " جقللي " و " عاشق كيبار " ، من جميع أمصارها وأقضيتها ، تتدفقُ إلى صروح ِ عفرين العلمية ، سيولٌ  من أشبالِ العلمِ ، فالجَدُّ قد حانَ أوانهُ ، ومنذُ ساعاتِ الصباح الأولى ، يَدِبُّ النشاط ُ في البيوت ، يُجَهَّزُ جيش العلم بعَتادِ الحبِّ والعطف ، يُودَّعُ الأبناء بقبلات ذويهم ، ينسلون منْ بعدها إلى الأزقة والدروب ، فتزدانََُ بقفزاتهم واندفاعهم ، بصراخهم وسذاجتهم ومزاحهم وضحكاتهم البريئة . تلكََ البراعمُ .... كالطيورِ تغادرُ الأوكار ، لتملأ الدنيا صخباً وحيوية ً تبددُ وحشة َالكون ، فننسى لمرآهم جوعاً وبطالة وتجارب نووية وأحلافاً وحروباً خاضها ـ ولم يزلْ ـ الإنسان مع أخيه الإنسان . أولئك الصبية  ، ممن يخبئون في الأضلع  قلوباً تقطِرُ رقة ودعة ؛ بأفئدةٍ ناضرةٍ وتوق ٍ كبيرٍ لتجديد التواصل ، متشوقٌ أجمعهم إلى لقاء الأحبة من زملاء ومعلمين ، بعد عطلةٍ فيها حلقوا مثل الفراشات في بحار الأماني يغترفون ما شاءت لهم الرغبات من ثمار البهجة والفرح .

 وأما الأبوان ، فما أشبههما بالزهرة والجدول والنحلة والأطيار . الزهرة ، تنعشنا بشذاها ، والجدولُ ، بسلسبيل مائه يحيي الكائنات ، والنحلة في دأبها وبلا كلل ، تعتصر رحيق الزهر لتقدمه لنا غذاء وشفاء ، والأطيار، تطرب مسامعنا بشدوها. الكل يمنح إذاً ، وبلا مقابل ، فهل من شك ، إن شُبِّهَ الآباء بمن أسلفتُ الذكرَ، وإن نحنُ أدركنا بأنهم ينفقون ما في الجيب ، بل وربما يستدين الكثير ، أملاً في نثر البسمة على جباه الأبناء ، مُسََلِّحينَ إياهم بالدفاتر والكتب والأقلام والثياب ، كي يسيروا وبخطىً ثابتة إلى حقول المعرفة ممتشقينَ سيفَ العزم والثقة ، لينهلوا من رقراق ينابيعها ، فتُجّمِّلَ أنفسهم  سيمفونياتُ أطيارها ؟.

كم جميلٌ ، أنْ يشعرَ المرء بأنه من أجل الآخرين يحيا ، وما أروعَ  أن يكونَ أولئكَ الآخرون فلذات أكبادٍ يرى الآباء فيهم امتداداً لهم وصيانة لإرثهم المادي أو المعنوي .

الأبوان ، أنْبَـلُ وأعظمُ وأروعُ أصدقاءِ المرء . وحدهما الأبوان ، مَنْ يرضيان ويتمنيان ، بل ويدأبان على أن يكون الأبناء أفضل منهم صحة ومالاً وجاهاً وعلماً وأدباً . فرحُ الأولاد وسعادتهم وهناءهم ونجاحهم وتفوقهم على الصعاب وتحقيقهم للمآرب ، يُكللهُ سعادة ٌ لا تضاهى ، تٌنْسي الأبوين حروباً طاحنة يخوضونها في ساحات الحياة ، ينسيهم كل إنجازٍ يحققه الأبناء ،  لهاثاً وراء الرغيف وضنكاً ظهرّتْ علاماتهُ على جغرافيةِ وجوههم ، فأَنْبِلْ بأبٍ يكدحُ وأجْملْ بِأمٍّ تضحي ، وأنعِمْ بأبناء يخفضون جناح الذل لأبويهما ، وحبذا معلمٌ يفني زهرة شبابه ، كي يتتلمذ على يديه جيلٌ متوهجٌ نيِّرٌ، مفعمٌ علماً ومعرفة .

 أهلاً بخريفٍ استبدلناه بربيعِ علمٍ ، يبددُ غشاوة الجهل ، فيجعلنا على مرمى حجر من عتبات  الرقي والتمدن ِ والحضارة .

 

 

lokmanafrin.com / 2009/8/28

* صلاح الدين عيسى *

عفرين ـ عروسُ الشمالِ السوري

6 / أيلول / 2009م

* أولُ يومٍ تُشَرِّعُ المدارسُ فيهِ من أبوابها *

لقمان عفرين / lokman shamo kalo

2009/9/4

BACK TO HOME PAGE

  HOME   l   SYRIA   l   AFRIN   l   CONTACT   l   LOKMAN AFRIN